فصل: تفسير الآيات (65- 66):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: محاسن التأويل



.تفسير الآية رقم (64):

القول في تأويل قوله تعالى: {فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ ثُمَّ ائْتُوا صَفّاً وَقَدْ أَفْلَحَ الْيَوْمَ مَنِ اسْتَعْلَى} [64].
{فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ} تصريح بالمطلوب، إثر تمهيد المقدمات. والفاء فصيحة. أي إذا كان الأمر كما ذكر، من كونهما ساحرين، يريدان بكم ما ذكر من الإخراج، والإذهاب، فأزمعوا كيدكم واجعلوه مجمعاً عليه، بحيث لا يتخلف عنه واحد منكم. أفاده أبو السعود. وقوله تعالى: {ثُمَّ ائْتُوا صَفّاً} أي: مصطفين، ليكون أهيب في صدور الرائين: {وَقَدْ أَفْلَحَ} أي: فاز بالإنعامات العظيمة من فرعون وملئه: {الْيَوْمَ مَنِ اسْتَعْلَى} أي: علا وغلب.

.تفسير الآيات (65- 66):

القول في تأويل قوله تعالى: {قَالُوا يَا مُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَى قَالَ بَلْ أَلْقُوا فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى} [65- 66].
{قَالُوا يَا مُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَى قَالَ بَلْ أَلْقُوا فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ} أي: التي ألقوها: {يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى} أي: حيّات تسعى على بطونها.

.تفسير الآيات (67- 69):

القول في تأويل قوله تعالى: {فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى قُلْنَا لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلَى وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى} [67- 69].
{فَأَوْجَسَ} أي: أحس: {فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى} وذلك لما جُبِلَ عليه الإنسان من النفرة من الحيات. أو خاف من توهم الخلق المعارضة، بأن لهم من حبالهم وعصيهم حيات. كما أن له من عصاه حيَّة: {قُلْنَا لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلَى وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا} أي: تلتقطه بفمها: {إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ} في مقابلة آية ربانية: {وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى} أي: لا يفوز بمطلوبه، أي: مكانٍ جَاءَ لدفع الحق.

.تفسير الآيات (70- 71):

القول في تأويل قوله تعالى: {فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّداً قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى قَالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَاباً وَأَبْقَى} [70- 71].
{فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّداً} أي: فألقى موسى عصاه فتلقفت ما صنعوا فأَلْقيَ السَّحَرَةُ سُجَّدَاً، تيقنوا أن ذلك ليس من باب السحر، وإنما هي آية ربانية: {قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى قَالَ} أي فرعون: {آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ} أي: فاتفقتم معه ليكون لكم الملك: {فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ} أي: من جانبين متخالفين: {وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ} أي: التي هي أقوى الأخشاب وأخشنها: {وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَاباً وَأَبْقَى} يعني أنكم إنما آمنتم برب موسى خوفاً من شدة عذابه. أو من تخليده في العذاب: {وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَاباً وَأَبْقَى} فإن رب موسى لم يقطع من أحد يده ورجله من خلاف، ولم يصلبه في جذوع النخل، ولم يبقه مصلوباً، قاله المهايميّ. وضعّفه الزمخشري بأن فرعون يريد نفسه وموسى عليه السلام، بدليل قوله: {آمَنْتُمْ لَهُ} أي: لموسى. واللام مع الإيمان، في كتاب الله لغير الله تعالى كقوله تعالى: {يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ} [التوبة: 61] وقصده إظهار اقتداره وبطشه، وما جرى به من تعذيب الناس بأنواع العذاب. وتوضيع موسى عليه السلام واستضعافه مع الهزء به، لأن موسى لم يكن قط من التعذيب في شيء.

.تفسير الآية رقم (72):

القول في تأويل قوله تعالى: {قَالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا} [72].
{قَالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ} أي: نختارك بالإيمان والاتباع: {عَلَى مَا جَاءَنَا} أي: من الله على يد موسى: {مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا} أي: وعلى الذي خلقنا. واختيارُ هذا الوصف للإشعار بعلة الحكم. فإن خالقيته تعالى لهم، وكون فرعون من جملة مخلوقاته، مما يوجب عدم إيثارهم له عليه، سبحانه وتعالى. وهذا جواب منهم لتوبيخ فرعون بقوله: {آمَنْتُمْ لَهُ} وقيل هو قسم محذوف الجواب: {فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ} أي: اصنع ما أنت صانعه. وهذا جواب عن تهديده بقوله: {لَأُقَطِّعَنَّ} الخ: {إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا} أي: فيها وهي لا بقاء لها، ولا سلطان لك بعدها. وإنما البغية الآخرة.

.تفسير الآية رقم (73):

القول في تأويل قوله تعالى: {إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى} [73].
{إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى} أي: ثواباً.

.تفسير الآية رقم (74):

القول في تأويل قوله تعالى: {إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِماً فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لا يَمُوتُ فِيهَا وَلا يَحْيَى} [74].
{إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِماً فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لا يَمُوتُ فِيهَا} أي: فينقضي عذابه: {وَلا يَحْيَى} أي: حياة طيبة.

.تفسير الآية رقم (75):

القول في تأويل قوله تعالى: {وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِناً قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُولَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَى} [75].
{وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِناً قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُولَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَى} أي: المنازل الرفيعة بسبب إيمانهم وعملهم الصالح.

.تفسير الآية رقم (76):

القول في تأويل قوله تعالى: {جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ مَنْ تَزَكَّى} [76].
{جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ مَنْ تَزَكَّى} أي: تطهر من دنس الكفر والمعاصي، بما ذكر من الإيمان والأعمال الصالحة.
لطائف:
من الكشاف وحواشيه للناصر.
الأولى: في تخيير السحرة بين إلقاء موسى وإلقائهم، استعمال أدب حسن معه، وتواضع له وخفض جناح. وتنبيه على إعطائهم النصفة من أنفسهم. وكأن الله عزّ وعلا ألهمهم ذلك، وعلم موسى- صلوات الله عليه- اختيار إلقائهم، أوّلاً، مع ما فيه من مقابلة أدب بأدب، حتى يبرزوا ما معهم من مكايد السحر، ويستنفدوا أقصى طرقهم ومجهودهم. فإذا فعلوا أظهر الله سلطانه، وقذف بالحق على الباطل فدمغه، وسلط المعجزة على السحر فمحقته، وكانت آية نيرة للناظرين. وعبرة بينة للمعتبرين. وقبل ذلك تأدبوا معه بقولهم: {فَاجْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ مَوْعِداً لا نُخْلِفُهُ} ففوضوا ضرب الموعد إليه، وكما ألهم الله عزَّ وجلَّ موسى ها هنا، أن يجعلهم مبتدئين بما معهم، ليكون إلقاؤه العصا، بعدُ، قذفاً بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق، كذلك ألهمه من الأول، أن يجعل موعدهم يوم زينتهم وعيدهم، ليكون الحق أبلج على رؤوس الأشهاد، فيكون أفضح لكيدهم وأهتك لستر حرمهم.
الثانية: جوز في إِيثار قوله تعالى: {مَا فِي يَميِنِكِِ} على: {عَصَاكَ} وجهان:
أحدها: أن يكون تعظيماً لها. أي: لا تحتفل بهذه الأجرام الكبيرة الكثيرة. فإِن في يمينك شيئاً أعظم منها كلها. وهذه على كثرتها أقل شيء وأنزره عنده. فألقه يتلقفها بإذن الله ويمحقها.
وثانيهما: أن يكون تصغيراً لها أي: لا تبال بكثرة حبالهم وعصيهم. وألق العُوَيْد الفرد الصغير الجرم الذي في يمينك. فإِنه بقدرة الله يتلقفها على وحدته وكثرتها، وصغره وعظمها. وإِنما المقصود بتحقيرها في جنب القدرة، تحقير كيد السحرة بطريق الأوْلى. لأنها إذا كانت أعظمُ مُنَّةً وهي حقيرة في جانب قدرة الله تعالى، فما الظن بكيدهم وقد تلقفته هذه الحقيرة الضئيلة؟
ولأصحاب البلاغة طريق في علوّ المدح بتعظيم جيش عدوّ الممدوح، ليلزم من ذلك تعظيم جيش الممدوح وقد قهره واستولى عليه. فصغر الله أمر العصا، ليلزم منه كيد السحرة الداحض بها في طرفة عين.
واعلم أنه لابد من نكتة تناسب الأمرين- التعظيم والتحقير- وتلك، والله أعلم، هي إرادة المذكور مبهماً، لأن: {مَا فِي يَميِنِكِِ} أبهم مِنْ: {عَصَاكَ} وللعرب مذهب في التنكير والإبهام، والإجمال، تسلكه مرة لتحقير شأن ما أبهمته، وأنه عند الناطق به أهون من أن يخصه ويوضحه. ومره لتعظيم شأنه، وليؤذن أنه من عناية المتكلم والسامع بمكان، يغني في الرمز والإِشارة. فهذا هو الوجه في إِسعاده بهما جميعاً.
ثم قال الناصر: وعندي في الآية وجه سوى قصد التعظيم والتحقير. والله أعلم. وهو، أن موسى عليه السلام، أول ما علم أن العصا آية من الله تعالى، عندما سأله عنها بقوله تعالى: {وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى} ثم أظهر له تعالى آيتها، فلما دخل وقت الحاجة إلى ظهور الآية منها، قال تعالى: {وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ} ليتيقظ بهذه الصيغة للوقت الذي قال الله تعالى له: {وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ} وقد أظهر له آيتها، فيكون ذلك تنبيهاً له وتأنيساً، حيث خوطب بما عهد أن يخاطب به وقت ظهور آيتها. وذلك مقام يناسب التأنيس والتثبيت. ألا ترى إلى قوله تعالى: {فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى}؟ انتهى.
ولأبي حيان نكتة أخرى. وهي ما في اليمين من الإشعار باليمن والبركة. ولا يقال جاء في سورة الأعراف: {أَلْقِ عَصَاكَ} والقصة واحدة. لأنه يجاب بأنه مانع من رعاية هذه النكتة فيما وقع هنا، وحكاية ما جاء بالمعنى.
هذا وقال الشهاب الخفاجي: فيما ذكروه نظر لأنه إنما يتم إذا كان الخطاب بلفظ عربي أو مرادفٍ له، يجري فيه ما يجري فيه. والأول خلاف الواقع. والثاني دونه خرط القتاد، فتأمل.
أقول: إِنما استبعد الثاني، لتوهم أن لا بلاغة ولا نكات إلا في اللغة العربية. مع أن الأمر ليس كذلك. وحينئذ فيتعين الثاني. وهو ظاهر. وبه تستعاد تلك اللطائف.
ثم أشار تعالى إلى عنايته بموسى وقومه، من إِنجائهم وإِهلاك عدوهم، وقد طوى هنا ما فصل في آيات أخر: بقوله سبحانه:

.تفسير الآية رقم (77):

القول في تأويل قوله تعالى: {وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقاً فِي الْبَحْرِ يَبَساً لا تَخَافُ دَرَكاً وَلا تَخْشَى} [77].
{وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي} أي: سر بهم من مصر ليلاً: {فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقاً فِي الْبَحْرِ يَبَساً} أي: يابساً. فضرب موسى بعصاه البحر فانفلق وجاوزه إلى ساحله: {لا تَخَافُ دَرَكاً} أي: لا تخاف من فرعون وجنوده أن يدركوك من ورائك {وَلا تَخْشَى} أي: غرقاً من بين يديك، ووحلاً.

.تفسير الآيات (78- 79):

القول في تأويل قوله تعالى: {فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَمَا هَدَى} [78- 79].
{فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ} لأنه ندم على الإِذن بتسريحهم من مصر، وأنهم قهروه على قلتهم كما قال: {إِنَّ هَؤُلاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ} [الشعراء: 54- 55]، فتبعهم ومعه جنوده حتى لحقوهم، ونزلوا في الطريق الذي سلكوه. ففاجأهم الموج كما قال تعالى: {فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ} أي: علاهم منه وغمرهم، ما لا يحاط بهوله: {وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَمَا هَدَى} أي: أوردهم الهلاك، بعتوّه وعناده في الدنيا والآخرة. وما هداهم سبيل الرشاد.
ثم ذكر تعالى نعمه على بني إِسرائيل ومننه الكبرى، وما وصاهم من المحافظة على شكرها، وحذرهم من التعرض لغضبه بكفرها، بقوله سبحانه:

.تفسير الآيات (80- 81):

القول في تأويل قوله تعالى: {يَا بَنِي إِسْرائيلَ قَدْ أَنْجَيْنَاكُمْ مِنْ عَدُوِّكُمْ وَوَاعَدْنَاكُمْ جَانِبَ الطُّورِ الْأَيْمَنَ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَلا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَى} [80- 81].
{يَا بَنِي إِسْرائيلَ قَدْ أَنْجَيْنَاكُمْ مِنْ عَدُوِّكُمْ} وهو فرعون وقومه. فقد كانوا يسومونكم سوء العذاب. يذبحون أبناءكم ويستحيون نساءكم. وذلك بأن أقر أعينكم منهم، بإِغراقهم، وأنتم تنظرون: {وَوَاعَدْنَاكُمْ جَانِبَ الطُّورِ الْأَيْمَنَ} أي: بمناجاة موسى وإنزال التوراة عليه. واليهود السامرية تزعم أن هذا الجبل في نابلس ويسمونه جبل الطور ويذكر في الجغرافيا بلفظ عيبال ولهم عيد سنوي فيه يصعدون إليه، ويقربون فيه القرابين. والله أعلم.
قال الزمخشري: وإِنما عدَّى المواعدة إليهم، لأنها لابستهم واتصلت بهم، حيث كانت لنبيهم ونقبائهم. وإِليهم رجعت منافعها التي قام بها دينهم وشرعهم، وفيما أفاض عليهم من سائر نعمه وأرزاقه.
وجانب مفعول فيه، أو مفعول به على الاتساع. أو بتقدير مضاف. أي: إِتيان جانب {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ} أي: من لذائذه. فإِن المن كالعسل. والسلوى من الطيور الجيد لحمها: {وَلا تَطْغَوْا فِيهِ} أي: فيما رزقناكم، بأن يتعدى فيه حدود الله، ويخالف ما أمر به: {فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَى} أي: هلك.